مدونة أبي جعفر عبد الله بن فهد الخليفي: تثبيت حديث ( الخوارج كلاب النار ) ...

تثبيت حديث ( الخوارج كلاب النار ) ...



أما بعد :


فإن من الفوارق الكبار بين عصرنا والعصور الماضية أن المرء كان لا يتكلم في الغالب حتى يكون له شبهة أهلية ، وقد أفسد الأمر دخول شهادات الزور من الشهادات الجامعية ( وليست كلها كذلك ) في معنى التأهيل

ثم إن الأمر ازداد بلاء ببعد الناس عن أحوال الزهاد والنساك فصار طلب الشهرة أمراً يعن في قلوب كثيرين وخير طريق لهذا تتبع الإحداث والغرائب

وفرق بين إحياء السنن الميتة وتتبع الغرائب أو الإحداث

واليوم سنتحدث عن باب غريب من الإحداث وهو الإحداث في الحكم على الأحاديث فيأتي بعضهم إلى حديث مشهور مخرج في مشاهير الكتب بل كتب العقيدة ويرويه الأئمة الكبار المشهورين بالإمامة ساكتين عليه وتمضي القرون على ذلك ثم يأتي هو فلا يكتفي بتضعيف الحديث ويسكت بل يدعي أن متنه منكر وأن الناس سكتوا على هذه النكارة قرون عدداً

أعني بذلك البحث المتعجل المتهور في استنكار حديث ( الخوارج كلاب أهل النار )

وقبل ذكر عدة إفادات في هذا السياق على القاريء أن يعلم أن الضعيف نوعان

ضعيف محتمل لم نتحقق من نكارته ومتنه تعضده الشريعة العامة فهذا يخرجه أمثال صاحب المسند وأصحاب السنن وهذا ما يعنونه بقولهم ( يكتب حديثه )

وهناك منكر تحققنا من بطلانه ولهذا الإمام أحمد يقول الضعيف قد يحتاج إليه والمنكر منكر أبداً

ومن المشاكل العصرية اطراح كل ضعيف دون تفريق بين النوعين فحديث سيء الحفظ كحديث الكذاب دون النظر إلى أي قرائن ، ولهذا تجد الإمام أحمد في أحاديث يقول ( اضرب عليه ) وفي غيرها تجده يخرج أخبار الضعفاء

وهذا صنيع الكسالى والظاهرية

قال الإمام أحمد في مسنده (19130) 19341- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ يُوسُفَ ، عَنِ الأَعْمَشِ ، عَنِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : الْخَوَارِجُ هُمْ كِلاَبُ النَّارِ.

هذا خبر رجاله ثقات إلا أنه منقطع ولفظه مختصر فالأعمش لم يسمع ابن أبي أوفى

والأعمش من أعيان علماء أهل الكوفة وابن أبي أوفى كوفي والأعمش أدركه ولم يسمع منه فالانقطاع يسير، ولا يعد انفراد إسحاق عن الأعمش منكراً لأنه إنما انفرد عنه بسند منقطع الناس عنه في رغبة لهذا خرجه أحمد وما عده مطرحاً

وقال أحمد في مسنده (22314) 22670- حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ قَالَ : سَمِعْتُ صَفْوَانَ بْنَ سُلَيْمٍ يَقُولُ : دَخَلَ أَبُو أُمَامَةَ الْبَاهِلِيُّ دِمَشْقَ فَرَأَى رُؤُوسَ حَرُورَاءَ قَدْ نُصِبَتْ فَقَالَ : كِلاَبُ النَّارِ كِلاَبُ النَّارِ ، ثَلاَثًا ، شَرُّ قَتْلَى تَحْتَ ظِلِّ السَّمَاءِ ، خَيْرُ قَتْلَى مَنْ قَتَلُوا ثُمَّ بَكَى فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ : يَا أَبَا أُمَامَةَ هَذَا الَّذِي تَقُولُ مِنْ رَأْيِكَ أَمْ سَمِعْتَهُ ؟ قَالَ : إِنِّي إِذًا لَجَرِيءٌ كَيْفَ أَقُولُ هَذَا عَنْ رَأْيٍ ؟ قَالَ : قَدْ سَمِعْتُهُ غَيْرَ مَرَّةٍ وَلاَ مَرَّتَيْنِ . قَالَ : فَمَا يُبْكِيكَ ؟ قَالَ : أَبْكِي لِخُرُوجِهِمْ مِنَ الإِِسْلاَمِ هَؤُلاَءِ الَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاتَّخَذُوا دِينَهُمْ شِيَعًا.

صفوان بن سليم لم يسمع أبا أمامة ولكنه ثقة مدني قال الإمام أحمد يستسقى بحديثه

فعندنا منقطع بين كوفي وكوفي

ومنقطع بين مدني وشامي

وهذا يقوي الخبر المنقطع ويدل على أن له أصلاً

قال الإمام الشافعي في الرسالة :" فمن شاهد أصحاب رسول الله من التابعين فحدث
حديثا منقطعا عن النبي اعتبر عليه بأمور
(1265) منها أن ينظر إلى ما أرسل من الحديث فإن شركه فيه الحفاظ المأمونون فأسندوه إلى رسول الله بمثل معنى ما روى كانت هذه دلالة على صحة من قبل عنه وحفظه (1266) وأن انفرد بإرسال حديث لم يشركه فيه من يسنده قبل ما يفرد به من ذلك (1267) ويعتبر عليه بأن ينظر هل يوافقه مرسل غيره ممن قبل العلم عنه من غير رجاله الذين قبل عنهم (1268) فإن وجد ذلك كانت دلالة يقوي به مرسله وهي أضعف من الاولى"

فنص الشافعي على أن المرسل إذا به مرسل آخر من غير رجال الأول فإن ذلك يقويه

وهذا هو الموجود عندنا فمرسل كوفي إرساله طفيف ومرسل مدني عن شامي

فما بالك إذا وجدنا لهذا المرسل شواهد متصلة أكثر ؟

وما بالك إذا كان هذا المنقطع يشهد له القرآن ؟

فأين هي الشواهد المتصلة ؟

قال أحمد في مسنده (22151) 22503- حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ بَجِيرٍ ، حَدَّثَنَا سَيَّارٌ قَالَ : جِيءَ بِرُؤُوسٍ مِنْ قِبَلِ الْعِرَاقِ فَنُصِبَتْ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ ، وَجَاءَ أَبُو أُمَامَةَ فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَيْهِمْ ، فَنَظَرَ إِلَيْهِمْ فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ : شَرُّ قَتْلَى تَحْتَ ظِلِّ السَّمَاءِ ، ثَلاَثًا ، وَخَيْرُ قَتْلَى تَحْتَ ظِلِّ السَّمَاءِ مَنْ قَتَلُوهُ . وَقَالَ : كِلاَبُ النَّارِ ، ، ثَلاَثًا ، ثُمَّ إِنَّهُ بَكَى ، ثُمَّ انْصَرَفَ عَنْهُمْ ، فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ : يَا أَبَا أُمَامَةَ أَرَأَيْتَ هَذَا الْحَدِيثَ ؟ حَيْثُ قُلْتَ : كِلاَبُ النَّارِ ، شَيْءٌ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ شَيْءٌ تَقُولُهُ بِرَأْيِكَ ؟ قَالَ : سُبْحَانَ اللهِ إِنِّي إِذًا لَجَرِيءٌ لَوْ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَين ، حَتَّى ذَكَرَ سَبْعاً لَخِلْتُ أَنْ لاَ أَذْكُرَهُ . فَقَالَ الرَّجُلُ : لأَيِّ شَيْءٍ بَكَيْتَ ؟ قَالَ : رَحْمَةً لَهُمْ أَوْ مِنْ رَحْمَتِهِمْ.

وهذا رجاله ثقات وأما من يعل هذا الخبر بأن الخبر معروف بأبي غالب حزور ، فأين يجد نصاً عن إمام أن هذا الخبر انفرد به أبو غالب

وإنما يصنع كمثل السوفسطائي الذي ذهب ليشرب القهوة في مطعم فلما جاءوا بها له قال ردها وطلب بدلاً منها شاياً فلم قيل له الحساب قال : حساب ماذا ؟ قالوا حساب الشاي قال ولكنني طلبته بدلاً من القهوة فلما قيل له فأتي بحساب القهوة قال ولكنني شربت شاياً

يعل الخبر بأبي غالب حزور ويتجرأ على تكذيبه ولم يسبقه أحد لهذا ، فإذا جيء له بمتابع يرفع الريبة عن أبي غالب قال ولكن الحديث حديث أبي غالب !

وأما استنكار نقل الرؤوس وبأي طريقة جاءوا فكأن الخوارج لم يكونوا يحاربون جيشاً وكل رجل محارب يمكنه أن يحمل معه رأسين بدل الرأس الواحدة وهذه إذا اجتمعت كانت عدداً ( بغض النظر عن مشروعية الفعل ولكن الأمر تخيله سهل جداً وفي رواية حماد بن زيد أنها كانت ستين رأساً وهذه حملها يسير لثلاثين فارساً فقط بل وأقل)

وقال الحاكم في المستدرك 2654 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ مُوسَى الْحُنَيْنِيُّ، ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ النَّهْدِيُّ، ثنا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، عَنْ شَدَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَبِي عَمَّارٍ، قَالَ: شَهِدْتُ أَبَا أُمَامَةَ الْبَاهِلِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى رَأْسِ الْحَرُورِيَّةِ عِنْدَ بَابِ دِمَشْقَ وَهُوَ يَقُولُ: «كِلَابُ أَهْلِ النَّارِ - قَالَهَا ثَلَاثًا - خَيْرُ قَتْلَى مَنْ قَتَلُوهُ» ، وَدَمَعَتْ عَيْنَاهُ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا أَبَا أُمَامَةَ، أَرَأَيْتَ قَوْلَكَ هَؤُلَاءِ كِلَابُ النَّارِ أَشَيْءٌ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَوْ مِنْ رَأْيِكَ؟ قَالَ: إِنِّي إِذًا لَجَرِيءٌ لَوْ لَمْ أَسْمَعْهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا وَعَدَّ سَبْعَ مَرَّاتٍ مَا حَدَّثْتُكُمُوهُ قَالَ لَهُ رَجُلٌ: إِنِّي رَأَيْتُكَ قَدْ دَمَعَتْ عَيْنَاكَ، قَالَ: إِنَّهُمْ لَمَّا كَانُوا مُؤْمِنِينَ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ، ثُمَّ قَرَأَ: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ} [آل عمران: 105] الْآيَةُ فَهِيَ لَهُمْ مَرَّتَيْنِ

ليس في سند هذا الخبر من هو ضعيف جداً وعكرمة بن عمار هناك من وثقه وهناك من ضعفه وجامع القول في الذين ضعفوا روايته عن يحيى بن أبي كثير خاصة وليس هذا منها

وعكرمة هذا رجل يمامي

ومن التلاعب أن تأتي بالجرح دون التعديل والباب باب عضد وشواهد

وأما أبو غالب فروى عنه الحديث علماء الأمصار

فرواه حماد بن سلمة إمام البصريين وكذا حماد بن زيد وسفيان بن عيينة إمام المكيين ورواه الأصمعي إمام اللغة ورواه ابن شوذب ومعمر بن راشد إمام الصنعانيين وغيرهم كثير

و قال أبو أحمد بن عدى : قد روى عن أبى غالب حديث الخوارج بطوله ، و هو معروف به ، و روى عنه جماعة من الأئمة و غير الأئمة ، و لم أر فى أحاديثه حديثا منكرا جدا ، و أرجو أنه لا بأس به .

وعلى هذه الكلمة اعتمد المعترض في استنكار الشواهد ولو كان ابن عدي يعني أنه لم يتابع لما قام لتخريج أحمد للمتابعات وهو أعلم وأجل من ابن عدي بمراحل وإنما عنى السياقة الطويلة وتأمل قوله أنه رواه عنه الأئمة أفكان الأئمة يروون منكراً ويسكتون عليه

فالحديث فاش منتشر في الأمصار فلو كان فيه نكارة لتكلم الحفاظ فيه

فإن قيل : قد ادعيت أن القرآن يشهد للحديث فأين هذا ؟

فيقال قال الله تعالى : (واتل عليهم نبأ الذى آتيناه آياتنا فانسلخ منها فاتبعه الشيطان فكان من الغاوين إلى قوله ولكنه أخلد إلى الارض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث)

الآية شبهت من كان عنده علم فانسلخ منه بأنه كمثل الكلب وقد علم أن الخوارج أهل صلاة وصيام وتلاوة للقرآن

وفي الحديث الصحيح وصفهم النبي ب( المروق ) والمروق والانسلاخ متقاربان فلو نزع المرء من هذه الآية أن الخوارج مثلهم كمثل الكلب لكان استدلالاً عالياً ورصينا فكيف وقد جاء في الحديث مصرحاً

وأما استنكار أن ينزل قوله تعالى : ( يوم تبيض وجوه وتسود وجوه ) على الخوارج

فعجيب حقاً

قال ابن أبي حاتم في تفسيره 3997 - حدثنا علي بن الحسين ، ثنا ابن نمير ، ثنا عبيد الله بن موسى ، أنبأ أبو إسرائيل الملائي ، عن أبي خالد ، عن الشعبي : ( يوم تبيض وجوه وتسود وجوه (1) ) قال : هذا لأهل القبلة

وقال الطبري في تفسيره حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ [ص:665] إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ} [آل عمران: 106] «فَهَذَا مَنْ كَفَرَ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ حِينَ اقْتَتَلُوا»

ومال قتادة إلى هذا

وسياق الآية يعضد هذا فالله يقول ( أكفرتم بعد إيمانكم )

وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ( لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم أعناق بعض )

قال ابن أبي زمنين في أصول السنة 241 - وَحَدَّثَنِي إِسْحَاقُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ لُبَابَةَ عَنْ اَلْعُتْبِيِّ عَنْ سَحْنُونَ عَنْ اِبْنِ اَلْقَاسِمِ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: مَا آيَةُ فِي كِتَابِ اَللَّهِ أَشَدُّ عَلَى أَهْلِ اَلْأَهْوَاءِ مِنْ هَذِهِ اَلْآيَاتِ يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا اَلَّذِينَ اِسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا اَلْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ

قَالَ مَالِكٌ: فَأَيُّ كَلَامٍ أَبْيَنُ مِنْ هَذَا.

قَالَ اِبْنُ اَلْقَاسِمِ: قَالَ لِي مَالِكٌ: إِنَّ هَذِهِ اَلْآيَةَ لِأَهْلِ اَلْقِبْلَةِ.

ومن يشك أن الخوارج من أهل الأهواء

والصحابة كانوا ينزلون الآيات على الخوارج

قال الحاكم قال الحاكم في المستدرك [3400]:
أَخْبَرَنِي أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الشَّيْبَانِيُّ بِالْكُوفَةِ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمٍ الْغِفَارِيُّ، ثنا أَبُو نُعَيْمٍ، ثنا بَسَّامٌ الصَّيْرَفِيُّ، ثنا أَبُو الطُّفَيْلِ عَامِرُ بْنُ وَاثِلَةَ قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَامَ فَقَالَ سَلُونِي قَبْلَ أَنْ تَفْقِدُونِيَ، وَلَنْ تَسْأَلُوا بَعْدِي مِثْلِي، فَقَامَ ابْنُ الْكَوَّاءِ فَقَالَ: مَنِ الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ؟
قَالَ: مُنَافِقُوا قُرَيْشٍ.
قَالَ: فَمَنِ الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا؟
قَالَ: مِنْهُمْ أَهْلُ حَرُورَاءَ.
أقول: مسائل ابن الكواء لعلي معروفة، وقد تقدم بعضها بسندٍ آخر.

وقال البخاري في صحيحه 4728 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ سَأَلْتُ أَبِي { قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا } هُمْ الْحَرُورِيَّةُ قَالَ لَا هُمْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى أَمَّا الْيَهُودُ فَكَذَّبُوا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَّا النَّصَارَى فَكَفَرُوا بِالْجَنَّةِ وَقَالُوا لَا طَعَامَ فِيهَا وَلَا شَرَابَ وَالْحَرُورِيَّةُ { الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ } وَكَانَ سَعْدٌ يُسَمِّيهِمْ الْفَاسِقِينَ

فإن قيل : هل من شواهد لصحة هذا الحديث معنى من غير ما ذكرت من سكوت العلماء عليه وحرص الأئمة على روايته مع عدم استنكار أحد له وتعدد مخارجه في البلدان وكون القرآن يعضد معناه

فيقال : نعم

قال ابن أبي شيبة في المصنف 39050- حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جمهان ، قَالَ : كَانَتِ الْخَوَارِجُ قَدْ دَعَوْنِي حَتَّى كِدْت أَنْ أَدْخُلَ فِيهِمْ ، فَرَأَتْ أُخْتَ أَبِي بِلاَلٍ فِي الْمَنَامِ كَأَنَّهَا رَأَتْ أَبَا بِلاَلٍ أَهْلَبَ ، قَالَ : فَقُلْتُ : يَا أَخِي ، مَا شَأْنُك ، قَالَ : فَقَالَ : جُعِلْنَا بَعْدَكُمْ كِلاَبَ أَهْلِ النَّارِ

قال الطبري في تاريخه :" ذكر أن أبا إسحاق بْن هارون الرشيد حج بالناس في سنة مائتين، فسار حتى دخل مكة، ومعه قواد كثير، فيهم حمدويه بْن علي بْن عيسى بْن ماهان، وقد استعمله الحسن بْن سهل على اليمن، ودخلوا مكة، وبها الجلودي في جنده وقواده، ووجه إبراهيم بْن موسى بْن جعفر بن محمد العلوي من اليمن راجلا من ولد عقيل بْن أبي طالب، وأمره أن يحج بالناس، فلما صار العقيلي إلى بستان ابْن عامر، بلغه أن أبا إسحاق بْن هارون الرشيد قد ولي الموسم، وأن معه من القواد والجنود مالا قبل لأحد به، فأقام ببستان ابن عامر، فمرت به قافلة من الحاج والتجار، فيها كسوة الكعبة وطيبها، فأخذ أموال التجار وكسوة الكعبة وطيبها، وقدم الحاج والتجار مكة عراة مسلبين، فبلغ ذلك أبا إسحاق بن الرشيد وهو نازل بمكة في دار القوارير، فجمع إليه القواد فشاورهم، فقال له الجلودي- وذلك قبل التروية بيومين أو ثلاثة: أصلح الله الأمير! أنا أكفيكهم، أخرج إليهم في خمسين من نخبة أصحابي، وخمسين أنتخبهم من سائر القواد.
فأجابوه إلى ذلك، فخرج الجلودي في مائة حتى صبح العقيلي وأصحابه ببستان ابن عامر، فأحدق بهم، فأسر أكثرهم وهرب من هرب منهم يسعى على قدميه، فأخذ كسوة الكعبة إلا شيئا كان هرب به من هرب قبل ذلك بيوم واحد، وأخذ الطيب وأموال التجار والحاج، فوجه به إلى مكة، ودعا بمن أسر من أصحاب العقيلي، فأمر بهم فقنع كل رجل منهم عشرة أسواط، ثم قَالَ:
اعزبوا يا كلاب النار، فو الله ما قتلكم وعر، ولا في أسركم جمال وخلى سبيلهم، فرجعوا إلى اليمن يستطعمون في الطريق حتى هلك أكثرهم جوعا وعريا."

فهنا هارون الرشيد حين رمى الرجل بالخروج ذكر أمر كلاب النار مما يدل على اشتهاره آنذاك بين الناس

وقال البلاذري في أنساب الأشراف :" وَقَالَ رجل من أصحاب عتاب يكنى أبا هريرة:
قل لابن ماحوز وللأشرار ... كيف ترون يَا كلاب النار
شد أَبِي هريرة الهرار
فكمن لَهُ عبيدة بْن هلال فضربه فصرعه، ثُمَّ حامى عَلَيْهِ أصحابه، فسلم فكان الخوارج ينادونهم: مَا فعل الهرار؟ فيقولون: مَا عَلَيْهِ بأس وخرج إليهم فَقَالَ:
أنا أَبُو هريرة الهرار"

فالأمر من شهرته وصل للأشعار ، وقد ادعى الجاحظ أن الناس متفقون على هذه التسمية ولبي الجاحظ ممن يعتد به ولكنه لا مخالف له هنا وكل الدلائل تشير إلى صحة ما قال

قال ابن أبي الدنيا في المحتضرين 19 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْمَرْوَزِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ شَفِيقٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ وَاقِدٍ، عَنْ أَبِي غَالِبٍ قَالَ: " كُنْتُ أَخْتَلِفُ إِلَى الشَّامِ فِي تِجَارَةٍ، وَعُظْمُ مَا كُنْتُ أَخْتَلِفُ مِنْ أَجْلِ أَبِي أُمَامَةَ. فَإِذَا فِيهَا رَجُلٌ مِنْ قَيْسٍ، مِنْ خِيَارِ النَّاسِ. فَكُنْتُ [ص:35] أَنْزِلُ عَلَيْهِ، وَمَعَنَا ابْنُ أَخٍ لَهُ مُخَالِفٌ، يَأْمُرُهُ وَيَنْهَاهُ وَيَضْرِبُهُ، فَلَا يُطِيعُهُ. فَمَرِضَ الْفَتَى، فَبَعَثَ إِلَى عَمِّهِ، فَأَبَى أَنْ يَأْتِيَهُ. فَأَتَيْتُهُ أَنَا بِهِ، حَتَّى أَدْخَلْتُهُ عَلَيْهِ، فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ يَشْتُمُهُ وَيَقُولُ: أَيْ عَدُوَّ اللَّهِ، الْخَبِيثَ، أَلَمْ تَفْعَلْ كَذَا؟ أَلَمْ تَفْعَلْ كَذَا؟ قَالَ: أَفْرَغْتَ أَيْ عَمِّ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ دَفَعَنِي إِلَى وَالِدَتِي، مَا كَانَتْ صَانِعَةً بِي؟ قَالَ: إِذًا وَاللَّهِ كَانَتْ تُدْخِلُكَ الْجَنَّةَ قَالَ: فَوَاللَّهِ لَلَّهُ أَرْحَمُ بِي مِنْ وَالِدَتِي. فَقُبِضَ الْفَتَى. فَخَرَجَ عَلَيْهِ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ. فَدَخَلْتُ الْقَبْرَ مَعَ عَمِّهِ، فَخَطُّوا لَهُ خَطًّا. وَلَمْ يَلْحِدُوا لَهُ، قَالَ: فَقُلْنَا بِاللَّبِنِ، فَسَوَّيْنَاهُ. قَالَ: فَسَقَطَتْ مِنْهَا لَبِنَةٌ، فَوَثَبَ عَمُّهُ فَتَأَخَّرَ. فَقُلْتُ: مَا شَأْنُكَ؟ قَالَ: مُلِئَ قَبْرُهُ نُورًا، وَفُسِحَ فِيهِ مِثْلُ مَدِّ الْبَصَرِ "

هذه الرواية استنكرها بعض المتعجلين على أبي غالب ولوح بتكذيبه وهذه قلة فقه ممزوجة بجرأة فقد ذكر نظير هذا ابن رجب الكثير في أهوال القبور ولكنني سأذكر قصتين اشتهرتا تاريخياً من نظير هذا

قال ابن الجوزي في مناقب الإمام أحمد :" وقرأت بخط شيخنا أبى الحسن, ابن الزَّاغُونى, قال: كشف قبر أبى مُحمد البَرْبهارى وهو صَحيح لم يَرم, وظهر من قبره روائح الطيب حتى ملأت مدينة السلام"

وقال السيوطي في شرح الصدور :" وَفِي تَارِيخ المقريزي فِي سنة تسع وَتِسْعين وسِتمِائَة قدم الْبَرِيد بِأَن رجلا من السَّاحِل مَاتَت إمرأته فدفنها وَعَاد فَتذكر أَنه نسي فِي الْقَبْر منديلا فِيهِ مبلغ دَرَاهِم فَأخذ فَقِيه الْقرْيَة ونبش الْقَبْر ليَأْخُذ المَال والفقيه على شَفير الْقَبْر فَإِذا الْمَرْأَة جالسة مكتوفة بشعرها ورجلاها أَيْضا قد ربطتا بشعرها فحاول حل كتافيها فَلم يقدر فَأخذ بِجهْد نَفسه فِي ذَلِك فَخسفَ بِهِ وبالمرأة إِلَى حَيْثُ لم يعلم لَهما خبر فَغشيَ على فَقِيه الْقرْيَة مُدَّة يَوْم وَلَيْلَة فَبعث السُّلْطَان بِخَبَر هَذِه الْحَادِثَة وَمَا كتب بِهِ من الشَّام إِلَى الشَّيْخ تَقِيّ الدّين بن دَقِيق الْعِيد فَوقف عَلَيْهِ وَأرَاهُ النَّاس ليعتبروا بذلك"

وهذا من جنس ذاك والله أعلم والقصص في هذا تاريخياً كثيرة
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

. .

جميع الحقوق محفوظة للكاتب | تركيب وتطوير عبد الله بن سليمان التميمي