مدونة أبي جعفر عبد الله بن فهد الخليفي: هل خدع أبو موسى الأشعري يوم التحكيم ( رد على عمرو بسيوني )

هل خدع أبو موسى الأشعري يوم التحكيم ( رد على عمرو بسيوني )



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :

فإن حال المابعديين لا تسر ناصحاً أبداً

فبعد أن صدر كتاب ما بعد السلفية الذي هو صياغة جديدة لكتاب قراءة في كتب العقائد لحسن المالكي

يصدر عمرو بسيوني مقالاً عن النزعة الأموية عند السلفيين في محاولة لمحاكاة عدنان إبراهيم ولا أدري من أين أخذ مقاله هذا فله عادة في السطو على جهود الخلق نسأل الله العافية

تضمن هذا المقال طعناً في معاوية وأبي موسى الأشعري

ومارس الأسلوب المعتاد عند القوم أنهم إذا تكلموا عن علي جعلوك مستحضراً لفضله فتحمل تصرفاته على الأخير والأحسن وإذا تكلموا عن غيره من الصحابة غلبوا سوء الظن وأبعدوا فضائله

فينتج عن ذلك قراءة مشوهة مرذولة

والكلام عن نزعة أموية كلام صبياني جداً فالقول أن علياً كان مصيباً في حروبه وأن الحسين مات شهيداً مظلوماً أبعد ما يكون عن النزعة الأموية مع القول خلافة علي صحيحة

ولكن الحاصل في هذا الزمان أن الروافض كثروا وصارت لهم دولة وصاروا يكثرون من رمي الشبهات على الصحابة مع اتفاق الجميع على فضل علي فصار المرء يتكلم في الدفاع عن الصحابة الآخرين ما لا يتكلم في الدفاع عن علي لأن فضله مسلم بين الفريقين

والكاتب المنصف عليه أن يدرك هذا قبل أن يحاول إرضاء طبقة معينة بنقد فئة مغضوب عليها بتحامل فج

يقول عمرو بسيوني في مقاله المذكور:" كإنكار واقعة التحكيم على الصورة المشهورة المتواترة تاريخيًّا والتي فيها المناداة بخلافة لمعاوية ومحاولة خداع أبي موسى الأشعري رسول علي، والتي قبِلها مؤرخو أهل السنة جيلًا بعد جيلٍ، ومنهم المؤرخون النقاد كابن تيمية والذهبي، وما ترتب عليها من انشقاق السلطة، وتسمٍّي معاوية بالخلافة مع وجود علي حتى وفاته"

هنا عمرو بسيوني يظهر حادثة التحكيم بصورتها التقليدية على أنها حادثة صحيحة بل ومتواترة

وأنها تلقيت بالقبول بما في ذلك أن أبا موسى الأشعري حاولوا خداعه والرواية التي يعتمد عليها  فيها أنه خدع فعلاً وأنه مغفل وأن معاوية سمى نفسه خليفة

ويدعي أن ابن تيمية قبلها كما قال هو

والآن لنبحث في روايات التحكيم إسنادياً وبهدوء

وسترى ما فيها من الاضطراب في متونها مع وهن أسانيدها

قال الطبري في تاريخه ه فَحدثني عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أحمد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني سليمان بْنُ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: قَالَ صَعْصَعَةُ بْنُ صَوْحَانَ يَوْمَ صِفِّينَ حِينَ رَأَى النَّاسَ يَتَبَارَوْنَ: أَلا اسْمَعُوا وَاعْقِلُوا، تَعْلَمُنَّ وَاللَّهِ لَئِنْ ظَهَرَ عَلِيٌّ لَيَكُونَنَّ مِثْلَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وَإِنْ ظَهَرَ مُعَاوِيَةُ لا يَقِرُّ لِقَائِلٍ بِقَوْلِ حَقٍّ.
قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَأَصْبَحَ أَهْلُ الشَّامِ قَدْ نَشَرُوا مَصَاحِفَهُمْ، وَدَعَوْا إِلَى مَا فِيهَا، فَهَابَ أَهْلُ الْعِرَاقَيْنِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ حَكَّمُوا الْحَكَمَيْنِ، فَاخْتَارَ أَهْلُ الْعِرَاقِ أَبَا مُوسَى الأَشْعَرِيَّ، وَاخْتَارَ أَهْلُ الشَّامِ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ، فَتَفَرَّقَ أَهْلُ صِفِّينَ حِينَ حَكَمَ الْحَكَمَانِ، فَاشْتَرَطَا أَنْ يَرْفَعَا مَا رَفَعَ الْقُرْآنُ، وَيَخْفِضَا مَا خَفَضَ الْقُرْآنَ، وَأَنْ يَخْتَارَا لأُمَّةِ محمد ص، وَأَنَّهُمَا يَجْتَمِعَانِ بِدُومَةِ الْجَنْدَلِ، فَإِنْ لَمْ يَجْتَمِعَا لِذَلِكَ اجْتَمَعَا مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ بِأَذْرُحَ.
فلما انصرف علي خالفت الحرورية وخرجت- وَكَانَ ذَلِكَ أول مَا ظهرت- فآذنوه بالحرب، وردوا عَلَيْهِ: أن حكم بني آدم فِي حكم اللَّه عَزَّ وَجَلَّ، وَقَالُوا:
لا حكم إلا لِلَّهِ سُبْحَانَهُ! وقاتلوا، فلما اجتمع الحكمان بأذرح، وافاهم الْمُغِيرَة بن شُعْبَةَ فيمن حضر مِنَ النَّاسِ، فأرسل الحكمان إِلَى عَبْد اللَّهِ بن عُمَرَ ابن الْخَطَّابِ وعبد اللَّه بن الزُّبَيْرِ فِي إقبالهم فِي رجال كثير، ووافى مُعَاوِيَة بأهل الشام، وأبى علي وأهل العراق أن يوافوا، فَقَالَ الْمُغِيرَة بن شُعْبَةَ لرجال من ذوي الرأي من قريش: أترون أحدا مِنَ النَّاسِ برأي يبتدعه يستطيع أن يعلم أيجتمع الحكمان أم يتفرقان؟ قَالُوا: لا نرى أحدا يعلم ذَلِكَ، قال: فو الله إني لأظن أني سأعلمه منهما حين أخلو بهما وأراجعهما فدخل عَلَى عَمْرو بن الْعَاصِ وبدأ بِهِ فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْد اللَّهِ، أَخْبَرَنِي عما أسألك عنه، كيف ترانا معشر المعتزلة، فإنا قَدْ شككنا فِي الأمر الَّذِي تبين لكم من هَذَا القتال، ورأينا أن نستأني ونتثبت حَتَّى تجتمع الأمة! قَالَ: أراكم معشر المعتزله خلف الأبرار، وأمام الفجار! فانصرف الْمُغِيرَة ولم يسأله عن غير ذَلِكَ، حَتَّى دخل عَلَى أبي مُوسَى فَقَالَ لَهُ مثل مَا قَالَ لعمرو، فَقَالَ أَبُو مُوسَى: أراكم أثبت الناس رأيا، فيكم بقية الْمُسْلِمِينَ، فانصرف الْمُغِيرَة ولم يسأله عن غير ذَلِكَ، فلقي الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ مَا قَالَ من ذوي الرأي من قريش، فَقَالَ: لا يجتمع هَذَانِ عَلَى أمر واحد، فلما اجتمع الحكمان وتكلما قَالَ عَمْرو بن الْعَاصِ: يَا أَبَا مُوسَى، رأيت أول مَا تقضي بِهِ من الحق أن تقضي لأهل الوفاء بوفائهم، وعلى أهل الغدر بغدرهم، قَالَ أَبُو مُوسَى: وما ذاك؟ قَالَ: ألست تعلم أن مُعَاوِيَة وأهل الشام قَدْ وفوا، وقدموا للموعد الَّذِي واعدناهم إِيَّاهُ؟ قَالَ: بلى، قَالَ عَمْرو: اكتبها، فكتبها أَبُو مُوسَى، قَالَ عَمْرو: يَا أَبَا مُوسَى، أأنت عَلَى أن نسمي رجلا يلي أمر هَذِهِ الأمة؟ فسمه لي، فإن أقدر عَلَى أن أتابعك فلك علي أن أتابعك، وإلا فلي عَلَيْك أن تتابعني! قَالَ أَبُو مُوسَى: أسمي لك عَبْد اللَّهِ بن عُمَرَ، وَكَانَ ابن عمر فيمن اعتزل، قَالَ عَمْرو: إني أسمي لك مُعَاوِيَة بن أَبِي سُفْيَانَ، فلم يبرحا مجلسهما حَتَّى استبا، ثُمَّ خرجا إِلَى النَّاسِ، فَقَالَ أَبُو مُوسَى: إني وجدت مثل عَمْرو مثل الَّذِينَ قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: «وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها» ، فلما سكت أَبُو مُوسَى تكلم عَمْرو فَقَالَ: ايها الناس وجدت مثل أبي مُوسَى كمثل الَّذِي قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: «مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً» ، وكتب كل واحد منهما مثله الَّذِي ضرب لصاحبه إِلَى الأمصار.
قَالَ ابن شهاب: فقام مُعَاوِيَة عشية فِي الناس، فأثنى عَلَى اللَّه جل ثناؤه بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فمن كَانَ متكلما فِي الأمر فليطلع لنا قرنه، قَالَ ابن عمر: فأطلقت حبوتى، فاردت ان اقول قولا يتكلم فِيهِ رجال قاتلوا أباك عَلَى الإِسْلام، ثُمَّ خشيت أن أقول كلمة تفرق الجماعة، أو يسفك فِيهَا دم، أو أحمل فِيهَا عَلَى غير رأي، فكان مَا وعد اللَّه عز وجل فِي الجنان أحب إلي من ذَلِكَ فلما انصرف إِلَى المنزل جاءني حبيب بن مسلمة فَقَالَ: مَا منعك أن تتكلم حين سمعت الرجل يتكلم؟ قلت: أردت ذَلِكَ، ثُمَّ خشيت أن أقول كلمة تفرق بين جميع، أو يسفك فِيهَا دم، أو أحمل فِيهَا عَلَى غير رأي، فكان مَا وعد اللَّه عَزَّ وَجَلَّ من الجنان أحب إلي من ذَلِكَ قَالَ: قَالَ حبيب: فقد عصمت.

أولاً : هذه الرواية مرسلة فالزهري لم يشهد هذا وتلميذه شأنه غريب فلا يوجد راوي اسمه سليمان بن يزيد بن يونس

والذي يبدو أنه سليمان عن يونس بن يزيد وهذا يزيد الأمر إشكالاً فسليمان إن كان ابن صالح فليس هو من تلاميذ يونس بن يزيد وإن كان هو ابن بلال فليس هو من شيوخ ابن شبوية

ثانياً يظهر من هذه الرواية وهي أقوى ما في الباب أن أبا موسى كان مادحاً لموقف المعتزلين للقتال عازماً على أن يجمع الناس على واحد منهم ليكون ذلك أدعى لائتلاف القلوب ولا يوجد أي خداع وقع عليه  أو غير ذلك كما يدعي عمرو بسيوني ولكن عمرو بن العاص بقي مصراً على أن يكون معاوية في محله

وهذه الرواية على ضعفها أمثل ما في الباب مما يعتمد عليه المخالفون

والمخالفون ضربان :

ضرب ينكر المتواترات مثل عدنان إبراهيم فلا يصح له الاستدلال بمثل هذا

وضرب آخر يعتمد على تصحيح بعض المؤرخين كعمرو بسيوني أو تلقيهم بالقبول كما يقول فيعارض بوجود من ينكر وأن الروايات محل اضطراب شديد من جهة متونها

قال البخاري في صحيحه 4108 - حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا هِشَامٌ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ وَأَخْبَرَنِي ابْنُ طَاوُسٍ عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ دَخَلْتُ عَلَى حَفْصَةَ وَنَسْوَاتُهَا تَنْطُفُ قُلْتُ قَدْ كَانَ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ مَا تَرَيْنَ فَلَمْ يُجْعَلْ لِي مِنْ الْأَمْرِ شَيْءٌ فَقَالَتْ الْحَقْ فَإِنَّهُمْ يَنْتَظِرُونَكَ وَأَخْشَى أَنْ يَكُونَ فِي احْتِبَاسِكَ عَنْهُمْ فُرْقَةٌ فَلَمْ تَدَعْهُ حَتَّى ذَهَبَ فَلَمَّا تَفَرَّقَ النَّاسُ خَطَبَ مُعَاوِيَةُ قَالَ مَنْ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يَتَكَلَّمَ فِي هَذَا الْأَمْرِ فَلْيُطْلِعْ لَنَا قَرْنَهُ فَلَنَحْنُ أَحَقُّ بِهِ مِنْهُ وَمِنْ أَبِيهِ قَالَ حَبِيبُ بْنُ مَسْلَمَةَ فَهَلَّا أَجَبْتَهُ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ فَحَلَلْتُ حُبْوَتِي وَهَمَمْتُ أَنْ أَقُولَ أَحَقُّ بِهَذَا الْأَمْرِ مِنْكَ مَنْ قَاتَلَكَ وَأَبَاكَ عَلَى الْإِسْلَامِ فَخَشِيتُ أَنْ أَقُولَ كَلِمَةً تُفَرِّقُ بَيْنَ الْجَمْعِ وَتَسْفِكُ الدَّمَ وَيُحْمَلُ عَنِّي غَيْرُ ذَلِكَ فَذَكَرْتُ مَا أَعَدَّ اللَّهُ فِي الْجِنَانِ قَالَ حَبِيبٌ حُفِظْتَ وَعُصِمْتَ قَالَ مَحْمُودٌ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ وَنَوْسَاتُهَا.

وهنا وصل الزهري الرواية ولكنه اختصرها ووقع خلاف كثير في الوقت قال فيه معاوية رضي الله عنه هذه الكلمة وبمن أراد وعرض

ولننظر إلى فهم ابن تيمية وتوجيهه وقد تكثر به عمرو بسيوني

قال الشيخ في منهاج السنة :" والمقصود أن عليا لم يقاتله أحد على إمامة غيره ولا دعاه إلى أن يكون تحت ولاية غيره ثم إنه لما رفعت المصاحف ودعوا إلى التحكيم واتفقوا على ذلك وأجمعوا في العام القابل واتفق الحكمان على عزل علي ومعاوية وأن يكون الأمر شورى بين المسلمين وقال أحد الحكمين هذا عزل صاحبه وأنا لم أعزل صاحبي ومال أبو موسى إلى تولية عبد الله بن عمر فغضب عبد الله لذلك ولم يكن اتفاقهما على عزل معاوية عن كونه أمير المؤمنين فإنه لم يكن قبل هذا أمير المؤمنين بل عزله عن ولايته على الشام فإنه كان يقول أنا ولاني الخليفتان عمر وعثمان فأنا باق على ولايتي حتى يجتمع الناس على الإمام فاتفق الحكمان على أن يعزل علي عن إمرة المؤمنين ومعاوية عن إمرة الشام وكان مقصود أحدهما إبقاء صاحبه ولم يظهر ما في نفسه فلما أظهر ما في نفسه تفرق الناس عن غير اتفاق ولم يقع بعد هذا قتال فلو قدر أن معاوية في هذا الحال صار يدعى أصحابه أنه أمير المؤمنين دون علي فلم يمكنهم أن يقولوا إن عليا بعد ذلك قوتل على إمامة معاوية فتبين أن عليا لم يقاتله أحد على أن يكون غيره إماما وهو مطيع له فإن الذين كانوا يستحقون الإمامة أبو بكر وعمر وعثمان وكان هو أتقى لله من أن يخرج عليهم بقول أو فعل بل عثمان كان علي هو أول من بايعه قبل جمهور الناس"

فالشيخ يرى أن معاوية وعمرو أيضاً أرادا تثبيت معاوية على الشام لأنه ولاه عمر وعثمان وأنه لم يكن قبلها يسمي نفسه أمير المؤمنين حتى يكون له عزل من جنس عزل علي

ويفهم هذا في ضوء الرواية الأخرى

قال الدارقطني : حدثنا إبراهيم بن همام ، حدثنا أبو يوسف الفلوسي وهو يعقوب بن عبد الرحمن بن جرير ، حدثنا الأسود بن شيبان ، عن عبد الله بن مضارب عن حضين بن المنذر لما عزل عمرو معاوية جاء [ أي حضين بن المنذر ] فضرب فسطاطه قريبًا من فسطاط معاوية ، فبلغ نبأه معاوية ، فأرسل إليه فقال : إنه بلغني عن هذا [ أي عن عمرو ] كذا وكذا (2) ، فاذهب فانظر ما هذا الذي بلغني عنه ، فأتيته فقلت : أخبرني عن الأمر الذي وليت أنت وأبو موسى كيف صنعتما فيه؟ قال : قد قال الناس في ذلك ما قالوا ، والله ما كان الأمر على ما قالوا (3) ، ولكن قلت لأبي موسى : ما ترى في هذا الأمر؟ قال أرى أنه في النفر الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راضٍ . قلت : فأين تجعلني أنا ومعاوية ؟ فقال : إن يستعن بكما ففيكما معونة ، وإن يستغن عنكما فطالما استغنى أمر الله عنكما قال : فكانت هي التي فتل معاوية منها نفسه : فأتيته فأخبرته [ أي فأتى حضين معاوية فأخبره ] أن الذي بلغه عنه كما بلغه . فأرسل إلى أبي الأعور الذكواني (4) فبعثه في خيله ، فخرج يركض فرسه ويقول : أين عدو الله أين هذا الفاسق؟

وهذه الرواية إسنادها قوي فقط فيها جهالة عبيد الله بن مضارب

وفيها نفي عمرو بن العاص لما تناقله الناس وأن الكذب في أمر التحكيم ظهر من ذلك الوقت

فعلى أي أساس نقبل الرواية الأولى وندعي تلقيها بالقبول وندع هذه التي رواها الدارقطني إمام الجرح والتعديل

والآن إليك رواية أبو مخنف الرافضي الكذاب

قال الطبري في تاريخه قال أبو مخنف: حدثني المجالد بن سعيد، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عن زياد بن النضر الحارثي، ان عليا بعث أربعمائة رجل، عَلَيْهِم شريح بن هانئ الحارثي، وبعث معهم عَبْد اللَّهِ بن عباس، وَهُوَ يصلي بهم، ويلي أمورهم، وأبو مُوسَى الأَشْعَرِيّ معهم وبعث معاويه عمرو بن العاص في أربعمائة من أهل الشام، حَتَّى توافوا بدومة الجندل بأذرح، قَالَ: فكان مُعَاوِيَة إذا كتب إِلَى عَمْرو جَاءَ الرسول وذهب لا يدري بِمَا جَاءَ بِهِ، وَلا بِمَا رجع بِهِ، وَلا يسأله أهل الشام عن شَيْء، وإذا جَاءَ رسول علي جاءوا إِلَى ابن عَبَّاس فسألوه: مَا كتب بِهِ إليك أَمِير الْمُؤْمِنِينَ؟ فإن كتمهم ظنوا بِهِ الظنون فَقَالُوا: مَا نراه كتب إلا بكذا وكذا فَقَالَ ابن عَبَّاس: أما تعقلون! أما ترون رسول مُعَاوِيَة يجيء لا يعلم بِمَا جَاءَ بِهِ، ويرجع لا يعلم مَا رجع بِهِ، وَلا يسمع لَهُمْ صياح وَلا لفظ، وَأَنْتُمْ عندي كل يوم تظنون الظنون! قَالَ: وشهد جماعتهم تِلَكَ عَبْد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير، وعبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث بن هِشَام المخزومي وعبد الرَّحْمَن بن عَبْدِ يَغُوثَ الزُّهْرِيّ وأبو جهم بن حُذَيْفَة العدوي والْمُغِيرَة بن شُعْبَةَ الثقفي، [وخرج عُمَر بن سَعْد حَتَّى أتى أباه عَلَى ماء لبني سليم بالبادية، فَقَالَ: يَا أبت، قَدْ بلغك مَا كَانَ بين الناس بصفين، وَقَدْ حكم الناس أبا مُوسَى الأَشْعَرِيّ وعمرو بن الْعَاصِ، وَقَدْ شهدهم نفر من قريش، فاشهدهم فإنك صاحب رَسُول اللَّهِ ص وأحد الشورى، ولم تدخل فِي شَيْءٍ كرهته هَذِهِ الأمة، فاحضر فإنك أحق الناس بالخلافة فَقَالَ: لا أفعل، إني سمعت رَسُول اللَّهِ ص يقول: انه تكون فتنة، خير الناس فِيهَا الخفي التقي، وَاللَّهِ لا أشهد شَيْئًا من هَذَا الأمر أبدا] والتقى الحكمان، فَقَالَ عَمْرو بن الْعَاصِ: يَا أَبَا مُوسَى، ألست تعلم أن عُثْمَان رَضِيَ الله عنه قتل مظلوما؟ قال: اشهد، قال: ألست تعلم أن مُعَاوِيَة وآل مُعَاوِيَة أولياؤه؟ قَالَ: بلى، قَالَ: فإن اللَّه عَزَّ وَجَلَّ قَالَ:
«وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً» ، فما يمنعك من مُعَاوِيَة ولي عُثْمَان يَا أَبَا مُوسَى، وبيته فِي قريش كما قَدْ علمت؟ فإن تخوفت أن يقول الناس: ولي مُعَاوِيَة وليست لَهُ سابقة، فإن لك بِذَلِكَ حجة، تقول: إني وجدته ولي عُثْمَان الخليفة المظلوم والطالب بدمه، الْحَسَن السياسة، الْحَسَن التدبير، وهو أخو أم حبيبه زوجه النبي ص، وَقَدْ صحبه، فهو أحد الصحابة ثُمَّ عرض لَهُ بالسلطان، فَقَالَ: إن ولي أكرمك كرامة لم يكرمها خليفة فَقَالَ أَبُو مُوسَى:
يَا عَمْرو، اتق اللَّه عَزَّ وَجَلَّ! فأما مَا ذكرت من شرف مُعَاوِيَة فإن هَذَا ليس عَلَى الشرف يولاه أهله، ولو كَانَ عَلَى الشرف لكان هَذَا الأمر لآل أبرهة بن الصباح، إنما هُوَ لأهل الدين والفضل، مع أني لو كنت معطيه أفضل قريش شرفا أعطيته عَلِيّ بن أَبِي طَالِبٍ وأما قولك: ان معاويه ولى دم عثمان فوله هَذَا الأمر، فإني لم أكن لأوليه مُعَاوِيَة وأدع الْمُهَاجِرِينَ الأولين وأما تعريضك لي بالسلطان، فو الله لو خرج لي من سلطانه كله مَا وليته، وما كنت لأرتشي فِي حكم اللَّه عَزَّ وَجَلَّ، ولكنك إن شئت أحيينا اسم عمر بن الخطاب.
قَالَ أَبُو مخنف: حَدَّثَنِي أَبُو جناب الكلبي، أنه كَانَ يقول: قَالَ أَبُو مُوسَى: أما وَاللَّهِ لَئِنِ استطعت لأحيين اسم عُمَر بن الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
فَقَالَ لَهُ عَمْرو: إن كنت تحب بيعة ابن عمر فما يمنعك من ابني وأنت تعرف فضله وصلاحه! فَقَالَ: إن ابنك رجل صدق، ولكنك قَدْ غمسته فِي هَذِهِ الْفِتْنَة قَالَ أَبُو مخنف: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاق، عن نافع مولى ابن عمر، قَالَ: قَالَ عَمْرو بن الْعَاصِ: إن هَذَا الأمر لا يصلحه إلا رجل لَهُ ضرس يأكل ويطعم، وكانت فِي ابن عمر غفلة، فَقَالَ لَهُ عَبْد اللَّهِ بن الزُّبَيْرِ:
افطن، فانتبه، فَقَالَ عَبْد اللَّهِ بن عُمَرَ: لا وَاللَّهِ لا ارشو عليها شيئا ابدا، وقال:
يا بن العاص، إن العرب أسندت إليك أمرها بعد ما تقارعت بالسيوف، وتناجزت بالرماح، فلا تردنهم فِي فتنة.
قَالَ أَبُو مخنف: حَدَّثَنِي النضر بن صالح العبسي، قَالَ: [كنت مع شريح بن هانئ فِي غزوة سجستان، فَحَدَّثَنِي أن عَلِيًّا أوصاه بكلمات إِلَى عَمْرو بن الْعَاصِ، قَالَ: قل لَهُ إذا أنت لقيته: إن عَلِيًّا يقول لك: إن أفضل الناس عِنْدَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ من كَانَ العمل بالحق أحب إِلَيْهِ وإن نقصه وكرثه، من الباطل وإن حن إِلَيْهِ وزاده، يَا عَمْرو، وَاللَّهِ إنك لتعلم أين موضع الحق، فلم تجاهل؟ إن أوتيت طمعا يسيرا كنت بِهِ لِلَّهِ وأوليائه عدوا، فكأن وَاللَّهِ مَا أوتيت قَدْ زال عنك، ويحك! فلا تكن للخائنين خصيما، وَلا للظالمين ظهيرا أما إني أعلم بيومك الَّذِي أنت فِيهِ نادم، وَهُوَ يوم وفاتك، تمنى أنك لم تظهر لمسلم عداوة، ولم تأخذ عَلَى حكم رشوة] .
قَالَ: فبلغته ذَلِكَ، فتمعر وجهه، ثُمَّ قَالَ: متى كنت أقبل مشورة علي أو أنتهي إِلَى أمره، أو أعتد برأيه! فقلت له: وما يمنعك يا بن النابغة ان تقبل من مولاك وسيد الْمُسْلِمِينَ بعد نبيهم مشورته! فقد كَانَ من هُوَ خير مِنْكَ ابو بكر وعمر يستشيرانه، ويعملان برأيه، فَقَالَ: إن مثلي لا يكلم مثلك، فقلت لَهُ: وبأي أبويك ترغب عني! بأبيك الوشيظ أم بأمك النابغة! قَالَ: فقام عن مكانه وقمت مَعَهُ قَالَ أَبُو مخنف: حَدَّثَنِي أَبُو جناب الكلبي أن عمرا وأبا مُوسَى حَيْثُ التقيا بدومة الجندل، أخذ عَمْرو يقدم أبا مُوسَى فِي الكلام، يقول: انك صاحب رسول الله ص وأنت أسن مني، فتكلم وأتكلم فكان عَمْرو قَدْ عود أبا مُوسَى أن يقدمه فِي كل شَيْء، اغتزى بِذَلِكَ كله أن يقدمه فيبدأ بخلع علي قَالَ: فنظر فِي أمرهما وما اجتمعا عَلَيْهِ، فأراده عَمْرو عَلَى مُعَاوِيَة فأبى، وأراده عَلَى ابنه فأبى، وأراد أَبُو موسى عمرا على عبد الله ابن عمر فأبى عليه، فقال له عمرو: خبرني مَا رأيك؟ قَالَ: رأيي أن نخلع هَذَيْنِ الرجلين، ونجعل الأمر شورى بين الْمُسْلِمِينَ، فيختار الْمُسْلِمُونَ لأنفسهم من أحبوا فَقَالَ لَهُ عَمْرو: فإن الرأي مَا رأيت، فأقبلا إِلَى النَّاسِ وهم مجتمعون، فَقَالَ: يَا أَبَا مُوسَى، أعلمهم بأن رأينا قَدِ اجتمع واتفق، فتكلم أَبُو مُوسَى فَقَالَ: إن رأيي ورأي عَمْرو: قَدِ اتفق عَلَى أمر نرجو أن يصلح اللَّه عَزَّ وَجَلَّ بِهِ أمر هَذِهِ الأمة فَقَالَ عَمْرو: صدق وبر، يَا أَبَا مُوسَى، تقدم فتكلم فتقدم أَبُو مُوسَى ليتكلم، فَقَالَ لَهُ ابن عَبَّاس: ويحك! وَاللَّهِ إني لأظنه قَدْ خدعك إن كنتما قَدِ اتفقتما عَلَى أمر، فقدمه فليتكلم بِذَلِكَ الأمر قبلك، ثُمَّ تكلم أنت بعده، فإن عمرا رجل غادر، وَلا آمن أن يكون قَدْ أعطاك الرضا فِيمَا بينك وبينه، فإذا قمت فِي الناس خالفك- وكان ابو موسى مغفلا- فقال له: إنا قَدِ اتفقنا فتقدم أَبُو مُوسَى فَحَمِدَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وأثنى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، إنا قَدْ نظرنا فِي أمر هَذِهِ الأمة فلم نر أصلح لأمرها، وَلا ألم لشعثها من أمر قَدْ أجمع رأيي ورأي عَمْرو عَلَيْهِ، وَهُوَ أن نخلع عَلِيًّا ومعاوية، وتستقبل هَذِهِ الأمة هَذَا الأمر فيولوا مِنْهُمْ من أحبوا عَلَيْهِم، وإني قَدْ خلعت عَلِيًّا ومعاوية، فاستقبلوا أمركم، وولوا عَلَيْكُمْ من رأيتموه لهذا الأمر أهلا، ثُمَّ تنحى وأقبل عَمْرو بن الْعَاصِ فقام مقامه، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَقَالَ: إِنَّ هَذَا قَدْ قَالَ مَا سمعتم وخلع صاحبه، وأنا أخلع صاحبه كما خلعه، وأثبت صاحبي مُعَاوِيَة، فانه ولى عثمان بن عفان والطالب بدمه، وأحق الناس بمقامه فَقَالَ أَبُو موسى: مالك لا وفقك اللَّه، غدرت وفجرت! إنما مثلك كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ قَالَ عَمْرو: إنما مثلك كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً وحمل شريح بن هاني عَلَى عَمْرو فقنعه بالسوط، وحمل عَلَى شريح ابنٌ لعمرو فضربه بالسوط، وقام الناس فحجزوا بينهم وَكَانَ شريح بعد ذَلِكَ يقول: مَا ندمت عَلَى شَيْء ندامتي عَلَى ضرب عَمْرو بالسوط أَلا أكون ضربته بالسيف آتيا بِهِ الدهر مَا أتى والتمس أهل الشام أبا مُوسَى، فركب راحلته ولحق بمكة.
قَالَ ابن عَبَّاس: قبح اللَّه رأي أبي مُوسَى! حذرته وأمرته بالرأي فما عقل.
فكان أَبُو مُوسَى يقول: حذرني ابن عَبَّاس غدرة الفاسق، ولكني اطمأننت إِلَيْهِ، وظننت أنه لن يؤثر شَيْئًا عَلَى نصيحة الأمة ثُمَّ انصرف عَمْرو وأهل الشام إِلَى مُعَاوِيَةَ، وَسَلَّمُوا عَلَيْهِ بالخلافة، ورجع ابن عَبَّاس وشريح بن هانئ إِلَى علي، [وَكَانَ إذا صلى الغداة يقنت فيقول: اللَّهُمَّ العن مُعَاوِيَة وعمرا وأبا الأعور السلمي وحبيبا وعبد الرَّحْمَن بن خَالِدٍ والضحاك بن قيس والوليد] .
فبلغ ذَلِكَ مُعَاوِيَة، فكان إذا قنت لعن عَلِيًّا وابن عباس والأشتر وحسنا وحسينا.

وهذه الرواية المكذوبة مدارها على لوط ونصوا على أنه متروك وصاحب أخبار الشيعة وليس مرفوعات وإنما هذه أخباره فهي موضوع ضعفه

وهنا أنقل نقد ابن العربي التباني المعاصر لهذه القصة : قال – أي الخضري - في ص 72 : ( فتقدم أبو موسى فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس إنا قد نظرنا في أمر هذه الأمة فلم نر أصلح لأمرها ولا ألم لشعثها من أمر قد أجمع عليه رأيي ورأي عمرو وهو أن نخلع علياً ومعاوية وتستقبل هذه الأمة هذا الأمر ؛ فيولوا منهم من أحبوا عليهم وأني قد خلعت علياً ومعاوية فاستقبلوا أمركم وولوا عليكم من رآيتموه لهذا الأمر أهلاً ثم تنحى وأقبل عمرو فقام مقامه فحمد الله وأثنى عليه وقال : إن هذا قال ما قد سمعتم وخلع صاحبه وأنا أخلع صاحبه كما خلعه وأثبت صاحبي معاوية فإنه ولي عثمان والطالب بدمه وأحق الناس بمقامه ، فتنابزا، ويروي المسعودي أنهما لم يحصل منهما خطبة وإنما كتبا صحيفة فيها خلع علي ومعاوية وأن المسلمين يولون عليهم من أحبوا ، وهذا القول أقرب في نظرنا إلى المعقول وإن لهج كثير من المؤرخين بذكر الأول اهـ ) .
أقول: هذه الأسطورة الموضوعة في خديعة عمرو لأبي موسى في التحكيم شبيهة بالأسطورة الموضوعة على علي وابن عباس والمغيرة بن شعبة في إشارة هذا على أمير المؤمنين بإبقاء عمال عثمان ، فإن المقصود من وضعها الطعن في حيدرة ببعده عن الدهاء والسياسة وتبريز المغيرة وابن عباس فيهما عليه ، وقد تقدم إبطالها ، والمقصود من هذه إظهار بلاهة حكمه وتبريز حكم معاوية عليه فيهما.

فهذه الأسطورة باطلة بثمانية أوجه.
الأول: رواها أبو مخنف المتفق أئمة الرواية على أنه أخباري هالك ليس بثقة.

الثاني: الطعن في أبي موسى بأنه مغفل طعن في النبي  صلى الله عليه وسلم  الذي ولاه على تهائم اليمن زبيد وعدن وغيرهما وهو مغفل.

الثالث: الطعنُ فيه بما ذكر طعنٌ في الفاروق الذي ولاه أميراً على البصرة وقائداً على جيشها فافتتح الأهواز وأصبهان، وكتب في وصيته لا يقر لي عامل أكثر من سنة وأقروا الأشعري أربع سنين وهو مغفل ، فأقره عثمان عليها قليلاً ثم عزله عنها فانتقل إلى الكوفة وسكنها وتفقه به أهلها كما تفقه بها أهل البصرة وقرأوا عليه. ثم ولاه عثمان على الكوفة بطلب أهلها ذلك لما طردوا عاملهم سعيد بن العاص . قال الشعبي : انتهى العلم إلى ستة فذكره فيهم، وقال ابن المديني: قضاة الأمة أربعة عمر وعلي وأبو موسى وزيد بن ثابت، وقال الحسن البصري فيه : ما أتاها –يعني البصرة- راكب خير لأهلها منه، فهؤلاء الوضاعون الكائدون للإسلام ورجاله مغفلون لا يحسنون وضع الأباطيل ؛ لأنهم يأتون فيها بما يظهر بطلانها في بادئ الفهم الصحيح لكل مسلم.

الرابع: ذكر ابن جرير في فاتحة هذه الأسطورة أن عمراً قال لأبي موسى ألست تعلم أن معاوية وآله أولياء عثمان ؟ قال : بلى، قال : فإن الله عز وجل قال ( ومن قتل مظلوماً فقد جعلنا لوليه سلطاناً فلا يسرف في القتل إنه كان منصوراً ) وكلاماً كثيراً بعده في استحقاق معاوية للخلافة ، فأجابه أبو موسى عن جله جواباً شافياً ولم يجبه عن احتجاجه بالآية، وكأنه سلمه، والاحتجاج بها على خلافة معاوية فاسد من أوجه كثيرة لا حاجة لذكرها كلها ؛ منها أنه تعالى قال ( فلا يسرف في القتل إنه كان منصوراً ) فأي إسراف ونصر حصلا له في جيش أمير المؤمنين وقد قتل من جيشه الطالب بدم عثمان البريء منه خمسة وأربعون ألفاً على أقل تقدير، ومن جيش حيدرة خمسة وعشرون ألفاً ؟ وأي إسراف ونصر حصلا له وقد أشرف على الهزيمة الكبرى ولولا المصاحف لهلك جل جيشه ؟ وجهل فادح ممن يحتج بها على ذلك ،فمحال صدوره من عمرو وهو من علماء الصحابة ومحال تسليمه ولو صدر منه من أبي موسى الأعلم منه.

الخامس: ما نقصت هذه الخديعة لو صحت مما كان لأمير المؤمنين عند أتباعه شيئاً وما أفادت معاوية شيئاً جديداً زائداً عما كان له حتى يصح أن يقال فيها إن فلاناً داهية كاد أمة من المسلمين بكيد مقدمها ومحكمها ، وغاية أمرها أنها أشبه بعبث الأطفال لا تتجاوز العابث والمعبوث به ، وبرَّأ الله تعالى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم  من هذا العبث.

السادس: لو صحت هذه الأسطورة لم يلزم منها غفلة أبي موسى ودهاء عمرو ، بل تدل على مدح أبي موسى بالصدق والوفاء بالوعد والعهد وهي من صفات الأخيار من بني آدم فضلاً عن المؤمنين فضلاً عن الصحابة ، ووصم عمرو بالخيانة والكذب والغدر وهي من صفات الأشرار من بني آدم ، وكان العرب في جاهليتهم ينفرون منها أشد النفور ولا قيمة لمن اتصف بواحدة منها عندهم ، وقد ذم ورهب دين الإسلام مرتكبيها، وفي الحديث الصحيح عنه  صلى الله عليه وسلم  أنه قال: "ينصب لكل غادر لواء يوم القيامة عند استه وينادى على رؤوس الخلائق هذه غدرة فلان فلان".

السابع: لا يخلو قول عمرو فيما زعموا عليه ( وأثبت صاحبي معاوية ) من أمرين: الأول ثبته في الخلافة كما كان أولاً ، وهذا هو المتبادر من لفظ التثبيت ، وهو باطل قطعاً ؛فإنه لم يقل أحد ينتسب إلى الإسلام إن معاوية كان خليفة قبل التحكيم حتى يثبته حَكمه فيها بعده ، ولم يدعها هو لا قبله ولا بعده ، ولم ينازع حيدرة فيها.
الثاني ثبته على إمارة الشام كما كان قبل ، وهذا هو المتعين دراية وإن لم يصح رواية ، وهو تحصيل الحاصل ، وأي دهاء امتاز به على أبي موسى في تحصيل الحاصل ؟ وأي تغفيل يوصم به أبو موسى مع هذا العبث؟ فهل زاد به معاوية شيئاً جديداً لم يكن له من قبل ؟ وهل نقص به علي عما كان له قبل؟

الثامن: قال القاضي أبو بكر بن العربي في القواصم والعواصم: قد تحكم الناس في التحكيم فقالوا فيه مالا يرضاه الله ، وإذا لحظتموه بعين المروءة دون الديانة رأيتم أنها سخافة حمل على تسطيرها في الكتب في الأكثر عدم الدين، وفي الأقل جهل متين، ثم قال : وزعمت الطائفة التاريخية الركيكة أن أبا موسى كان أبله ضعيف الرأي مخدوعاً في القول ، وأن ابن العاص كان ذا دهاء وأرب حتى ضربت الأمثال بدهائه تأكيداً لما أرادت من الفساد ، اتبع في ذلك بعضُ الجهال بعضاً وصنفوا فيه حكايات ، وغيره من الصحابة كان أحذق منه وأدهى ، وإنما بنوا ذلك على أن عمراً لما غدر أبا موسى في قصة التحكيم صار له الذكر في الدهاء والمكر، ثم ذكر الأسطورة باختصار ثم قال : هذا كله كذب صراح ما جرى منه حرف قط ، وإنما هو شيء أخبر عنه المبتدعة ووضعته التاريخية للملوك ؛ فتوارثه أهل المجانة والجهارة بمعاصي الله والبدع .. ثم ذكر أن الذي رواه الأئمة الثقات الأثبات كخليفة بن خياط والدارقطني أنهما لما اجتمعا للنظر في الأمر عزل عمرو معاوية اهـ ملخصاً ) .

( تحذير العبقري من محاضرات الخضري ، 2 / 86-91 )




وقد حاول عمرو بسيوني الدفاع عن هذه الرواية في الحلقات التي بعدها بأغاليط 

أولها : دعواه أن المحدثين لم يهتموا بالروايات التاريخية وتنقيحها وهذا مضحك 

فإن أبا مخنف ليس له إلا روايات تاريخية فجرح من جرحه متعلق بأخباره التاريخية ومثله سيف بن عمر التميمي وقد صرح ابن المديني أنه لا يحمل التاريخ عن الواقدي مما يدل على أنه رأى فيه الكذب والشافعي قال أن كتب الواقدي كلها كذب ولا شك أن عامتها تاريخي 

وأما قوله أن الطبري أورد هذه الرواية فهو يعتمدها فهذا ضحك على الضقون فالطبري يروي كل شيء للوط بن يحيى وما اجتنب شيئاً وقد اعتذر في مقدمة كتابه عما فيه من الأكاذيب 

 فقال : ( فما يكن في كتابي هذا من خبر ذكرناه عن بعض الماضين مما يستنكره قارئه , أو يستشنعه سامعه , من أجل أنه لم يعرف له وجها من الصحة ولا معنى في الحقيقة ؛ فليعلم أنه لم يُؤْت في ذلك من قبلنا , وإنما أُتِي من قِبَل بعض ناقليه إلينا , وأنا إنما أدينا ذلك على نحو ما أدي إلينا ) تاريخ الطبري المقدمة ( 1 / 8 )

يقول شيخ الإسلام : (( وأكثر المنقول من المطاعن الصريحة هو من هذا الباب ( الكذب ) يرويها الكذابون المعروفون بالكذب مثل : أبي مخنف لوط بن يحيى ومثل هشام بن محمد بن السائب الكلبي وأمثالهما من الكذابين ولهذا استشهد هذا الرافضي بما صنفه هشام الكلبي في ذلك وهو من أكذب الناس وهو شيعي يروي عن أبيه وعن أبي مخنف وكلاهما متروك كذاب)) ( منهاج السنة ( 5 / 81 )

وعمرو يعول على شيخ الإسلام ! وخصومنا من الرافضة وغيرهم ينكرون القعقاع بن عمرو وهو شخصية كاملة لانفراد سيف بن عمر التميمي بذكره فما العيب أن ننكر رواية منكرة خالفت ما هو أقوى منها انفرد بها رافضي كذاب وقد ادعيت كذباً أنها متواترة      
وأما دعوى عمرو أن تسمي معاوية بالإمارة أدى للفرقة مشيراً إلى أن أبا موسى سبب الفرقة فسفه في العقل

فهذا التحكيم لم يحصل بعده قتال وكان القتال قبله وما غير شيئاً من الواقع السياسي فكل فريق لهم أميرهم سواءً تسمى بأي اسم

وأما خروج الخوارج فهم اعترضوا على مجرد التحكيم أياً كانت نتائجه وقالوا في علي حكم الرجال في الكتاب قبل حتى أن يحصل التحكيم بشكل فعلي بل روايات كثيرة تذكر أنهم قاتلوه قبل وقوع التحكيم بين عمرو وأبي موسى

وخلاصة نزاع الحكمين أن أبا موسى كان مائلاً لعزل الجميع وترك الأمر للأمة أو تولية عبد الله بن عمر وأن عمرو بن العاص رأى أن الذي ينبغي أن يعزل علي لأنه صار أميراً بعد وفاة عثمان وأنه هو ومعاوية يقران لأن هذه مناصبهما من أيام عمر

وهذا المعنى الذي سعى ابن تيمية في إيصاله للرافضي

ولو فرضنا أن ما في الروايات قد وقع فالأمر أن النبي صلى الله عليه وسلم مدح صلح الحسن في حديث صحيح ، وأنه قد وقع بينهم ما هو أشد وهو الاقتتال ومع ذلك أمر الله بالاستغفار للجميع والله عالم بما سيقع

فالخوض في هذه الدقائق واختزال تاريخ الصحابة في هذا بناءً على روايات مضطربة

وقد أنكر الرواية التي تصف أبا موسى بالتغفيل ابن العربي وغيره ولا يظن ظان أن ابن تيمية يقبلها ولا حتى الذهبي يقبلون بوصف أبي موسى أنه خدع ومغفل بل شرح ابن تيمية للقصة مناقض لهذا المعنى


والروايات القوية مشيرة إلى أن علياً أوحى إلى أبي موسى بالتنازل إن كان فيه خير وائتلاف 
قال ابن أبي شيبة في المصنف 39007- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الأَسَدِيُّ ، قَالَ : حدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ مُهَلَّبٍ ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مِهْرَانَ ، قَالَ : حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ عَلِيًّا يقول يَوْمَ صِفِّينَ وَهُوَ عَاضٌّ عَلَى شَفَتِهِ : لَوْ عَلِمْت أَنَّ الأَمْرَ يَكُونُ هَكَذَا مَا خَرَجْت ، اذْهَبْ يَا أَبَا مُوسَى فَاحْكُمْ وَلَوْ حزَّ عُنُقِي.
39008- حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ ، قَالَ : حدَّثَنَا الأَعْمَشُ ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ ، أَنَّ عَلِيًّا ، قَالَ لأَبِي مُوسَى : احْكُمْ وَلَوْ تحزُّ عُنُقِي

والآن دعك  من هذا كله وخذ فضائل أبي موسى وعمرو

قال البخاري 4323 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لَمَّا فَرَغَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حُنَيْنٍ بَعَثَ أَبَا عَامِرٍ عَلَى جَيْشٍ إِلَى أَوْطَاسٍ فَلَقِيَ دُرَيْدَ بْنَ الصِّمَّةِ فَقُتِلَ دُرَيْدٌ وَهَزَمَ اللَّهُ أَصْحَابَهُ قَالَ أَبُو مُوسَى وَبَعَثَنِي مَعَ أَبِي عَامِرٍ فَرُمِيَ أَبُو عَامِرٍ فِي رُكْبَتِهِ رَمَاهُ جُشَمِيٌّ بِسَهْمٍ فَأَثْبَتَهُ فِي رُكْبَتِهِ فَانْتَهَيْتُ إِلَيْهِ فَقُلْتُ يَا عَمِّ مَنْ رَمَاكَ فَأَشَارَ إِلَى أَبِي مُوسَى فَقَالَ ذَاكَ قَاتِلِي الَّذِي رَمَانِي فَقَصَدْتُ لَهُ فَلَحِقْتُهُ فَلَمَّا رَآنِي وَلَّى فَاتَّبَعْتُهُ وَجَعَلْتُ أَقُولُ لَهُ أَلَا تَسْتَحْيِي أَلَا تَثْبُتُ فَكَفَّ فَاخْتَلَفْنَا ضَرْبَتَيْنِ بِالسَّيْفِ فَقَتَلْتُهُ ثُمَّ قُلْتُ لِأَبِي عَامِرٍ قَتَلَ اللَّهُ صَاحِبَكَ قَالَ فَانْزِعْ هَذَا السَّهْمَ فَنَزَعْتُهُ فَنَزَا مِنْهُ الْمَاءُ قَالَ يَا ابْنَ أَخِي أَقْرِئْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السَّلَامَ وَقُلْ لَهُ اسْتَغْفِرْ لِي وَاسْتَخْلَفَنِي أَبُو عَامِرٍ عَلَى النَّاسِ فَمَكُثَ يَسِيرًا ثُمَّ مَاتَ فَرَجَعْتُ فَدَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِهِ عَلَى سَرِيرٍ مُرْمَلٍ وَعَلَيْهِ فِرَاشٌ قَدْ أَثَّرَ رِمَالُ السَّرِيرِ بِظَهْرِهِ وَجَنْبَيْهِ فَأَخْبَرْتُهُ بِخَبَرِنَا وَخَبَرِ أَبِي عَامِرٍ وَقَالَ قُلْ لَهُ اسْتَغْفِرْ لِي فَدَعَا بِمَاءٍ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ فَقَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعُبَيْدٍ أَبِي عَامِرٍ وَرَأَيْتُ بَيَاضَ إِبْطَيْهِ ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَوْقَ كَثِيرٍ مِنْ خَلْقِكَ مِنْ النَّاسِ فَقُلْتُ وَلِي فَاسْتَغْفِرْ فَقَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ ذَنْبَهُ وَأَدْخِلْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُدْخَلًا كَرِيمًا قَالَ أَبُو بُرْدَةَ إِحْدَاهُمَا لِأَبِي عَامِرٍ وَالْأُخْرَى لِأَبِي مُوسَى

وقد أرسل النبي صلى الله عليه وسلم أبا موسى لأهل اليمن فكيف يرسل منافقاً

وقال مسلم 6489- [164-2497] حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ الأَشْعَرِيُّ ، وَأَبُو كُرَيْبٍ ، جَمِيعًا ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ ، قَالَ أَبُو عَامِرٍ : حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ ، حَدَّثَنَا بُرَيْدٌ ، عَنْ جَدِّهِ أَبِي بُرْدَةَ ، عَنْ أَبِي مُوسَى ، قَالَ : كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَهُوَ نَازِلٌ بِالْجِعْرَانَةِ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ ، وَمَعَهُ بِلاَلٌ ، فَأَتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، رَجُلٌ أَعْرَابِيٌّ ، فَقَالَ : أَلاَ تُنْجِزُ لِي ، يَا مُحَمَّدُ مَا وَعَدْتَنِي ؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبْشِرْ فَقَالَ لَهُ الأَعْرَابِيُّ : أَكْثَرْتَ عَلَيَّ مِنْ أَبْشِرْ فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَبِي مُوسَى وَبِلاَلٍ ، كَهَيْئَةِ الْغَضْبَانِ ، فَقَالَ : إِنَّ هَذَا قَدْ رَدَّ الْبُشْرَى ، فَاقْبَلاَ أَنْتُمَا فَقَالاَ : قَبِلْنَا ، يَا رَسُولَ اللهِ ، ثُمَّ دَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَدَحٍ فِيهِ مَاءٌ ، فَغَسَلَ يَدَيْهِ وَوَجْهَهُ فِيهِ ، وَمَجَّ فِيهِ ، ثُمَّ قَالَ : اشْرَبَا مِنْهُ ، وَأَفْرِغَا عَلَى وُجُوهِكُمَا وَنُحُورِكُمَا ، وَأَبْشِرَا فَأَخَذَا الْقَدَحَ ، فَفَعَلاَ مَا أَمَرَهُمَا بِهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَنَادَتْهُمَا أُمُّ سَلَمَةَ مِنْ وَرَاءِ السِّتْرِ : أَفْضِلاَ لِأُمِّكُمَا مِمَّا فِي إِنَائِكُمَا فَأَفْضَلاَ لَهَا مِنْهُ طَائِفَةً.

قال ابن سعد في الطبقات (4/ 10 قال: أخبرنا أبو أسامة حماد بن أسامة ووهب بن جرير بن حازم قالا: حدثنا هشام الدستوائي عن قتادة عن أنس بن مالك قال: بعثني الأشعري إلى عمر فقال عمر: كيف تركت الأشعري؟ فقلت له: تركته يعلم الناس القرآن، فقال: أما إنه كبير( وفي رواية كيس ) ولا تسمعها إياه، ثم قال: كيف تركت الأعراب؟ قلت: الأشعريين؟ قال: بل أهل البصرة، قلت: أما إنهم لو سمعوا هذا لشق عليهم، قال: فلا تبلغهم فإنهمأعراب إلا أن يرزق الله رجلا جهادا، قال وهب في حديثه: في سبيل الله.

وقد ولى النبي صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاص في حياته على الصحابة في ذات السلاسل ولا يعقل أن يولي النبي صلى الله عليه وسلم منافقاً أو عديم دين على المهاجرين والأنصار

قال أحمد في مسنده 8641 - حَدَّثَنَا حَسَنُ بْنُ مُوسَى، وَأَبُو كَامِلٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَعْنِي قَالَ: «ابْنَا الْعَاصِ مُؤْمِنَانِ» هِشَامٌ، وَعَمْرٌو

وهذا الحديث إسناده أقوى من ذلك الخبر المستنكر

وقال أحمد في مسنده  17955- حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عَلِيِّ بْنِ رَبَاحٍ ، ذَاكَ اللَّخْمِيُّ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ ، يَقُولُ : قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَا عَمْرُو اشْدُدْ عَلَيْكَ سِلاَحَكَ ، وَثِيَابَكَ ، وَأْتِنِي فَفَعَلْتُ فَجِئْتُهُ وَهُوَ يَتَوَضَّأُ ، فَصَعَّدَ فِيَّ الْبَصَرَ وَصَوَّبَهُ ، وَقَالَ : يَا عَمْرُو ، إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَبْعَثَكَ وَجْهًا ، فَيُسَلِّمَكَ اللَّهُ وَيُغْنِمَكَ ، وَأَزعَبُ لَكَ مِنَ الْمَالِ زَعبَةً صَالِحَةً ، قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي لَمْ أُسْلِمْ رَغْبَةً فِي الْمَالِ ، إِنَّمَا أَسْلَمْتُ رَغْبَةً فِي الْجِهَادِ ، وَالْكَيْنُونَةِ مَعَكَ ، قَالَ : يَا عَمْرُو ، نَعِمَّا بِالْمَالِ الصَّالِحِ ، لِلرَّجُلِ الصَّالِحِ.

وهذا إسناد صحيح

وقال الروياني في مسنده 213 - نا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْعَسْقَلَانِيُّ، نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ الْمُقْرِئُ، نا حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ، عَنْ بَكْرِ بْنِ عَمْرٍو الْمَعَافِرِيِّ، عَنْ مِشْرَحِ بْنِ هَاعَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَسْلَمَ النَّاسُ وَآمَنَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ»

وقد الخبر روي من حديث ابن لهيعة وهو ضعيف يتشيع لهذا ذكرت خبره حجة على القوم فلماذا يقبل خبر يزيد عن مجاهيل ولا يقبل خبر ابن لهيعة عن ثقات وكلهم في رتبة واحدة

وأما الفتن التي وقعت بين بعض الصحابة فقد رأينا طلحة والزبير وعائشة وكلهم مبشر بالجنة في غير صف علي بن أبي طالب فليربع المرء على نفسه ويتقي الله في أعراض الكرام

وما اختارهم الناس للتحكيم إلا لما علم من سابقتهم ورجوح رأيهم

واعترض عمرو على تسمية معاوية خليفة مع أن النبي أمره ملكاً

والواقع أن النبي صلى الله عليه وسلم هو من سمى معاوية خليفة !

قال أبو داود في سننه 4279 - حدَّثنا عمرو بن عثمان (1)، حدَّثنا مروان بن معاوية، عن إسماعيل -يعني ابن أبي خالدٍ- عن أبيه
عن جابر بن سمرة، قال: سمعتُ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلم - يقول: لا يزال هذا الذين قائماً حتى يكون عليكم اثنا عشر خليفةً، كلهم تجتمِع عليه الأمَّة" فسمعت كلاماً من النبي - صلَّى الله عليه وسلم - لم أفهمه، قلت لأبي: ما يقول؟ قال: كلُّهم من قُريش"

وقد نص غير واحد أن معاوية داخل في هذا فهو قرشي واجتمع عليه وكان وقته وقت قوة واستقرار والنبي قال ( لا يزال ) وهذه صيغة اتصال واستمرارية فيكون هذا اتصال لحال الراشدين وإن كان حال الراشدين أكمل

وأما حديث ( الخلافة بعدي ثلاثون عاماً ) فالحديث السابق أثبت منها ولكنه حديث صحيح وكان أحمد ينكر على من يضعفه والمراد ذروة الأمر كما قال النبي لعمر ( هلا تركت صاحبي لي ) في أبي بكر وعمر صاحبه ولكنه أراد ذروة الأمر

واحتج عمرو بسيوني وهو الذي يضعف أحاديث الجلوس بحديث أول من يغير سنتي رجل من بني أمية والحديث معلول وأمره معروف

قال سعد السبيعي في سل السنان :" الحديث الرابع : ( أول من يبدل سنتي رجل من بني أمية ) :
رواه ابن أبي شيبة في « المصنف » (35866) ، وابن أبي عاصم (63) ، وأبو نعيم في « تاريخ أصبهان » (1/132) ، وابن عدي في « الكامل » (3/164) ، والبيهقي في دلائل النبوة (6/466) , وابن عساكر في « تاريخ دمشق » (18/160) كلهم من طريق أبي العالية عن أبي ذر رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث ، وفي بعض طرقه كما عند البخاري في « التاريخ الأوسط » (158) قال أبو العالية : كنا مع أبي ذر في الشام وفيه قصة لأبي ذر مع يزيد بن أبي سفيان رضي الله عنه .
هذا الحديث فيه علتان : أن أبا ذر لم يقدم الشام في زمن عمر رضي الله عنه وإنما قدم الشام في زمن عثمان رضي الله عنه ويزيد بن أبي سفيان مات في خلافة عمر رضي الله عنه فكيف يسمع أبو العالية من أبي ذر في الشام وهو لم يقدم إليها في خلافة عمر !
قال البخاري في « التاريخ الأوسط » (158) : « حدثني محمد حدثنا عبدالوهاب بن عبدالمجيد عن المهاجر بن أبي مخلد حدثنا أبو العالية قال : وحدثني أبو مسلم ، قال : كان أبو ذر بالشام وعليها يزيد بن أبي سفيان فغزا الناس فغنموا والمعروف أن أبا ذر كان بالشام زمن عثمان وعليها معاوية ومات يزيد في زمن عمر ولا يعرف لأبي ذر قدوم الشام زمن عمر رضي الله عنه » .
أبو العالية رفيع بن مهران الرياحي لم يسمع من أبي ذر فالحديث منقطع وليس له إلا هذا الطريق !!
قال الدوري سألت ابن معين : أسمع أبو العالية من أبي ذر ؟ قال : لا ، إنما يروي عن أبي مسلم عنه ، قلت : فمن أبو مسلم هذا ؟ قال : لا أدري (1) .
وقد جاء الحديث من طريق أبي العالية عن أبي مسلم هذا عن أبي ذر كما عند ابن عساكر في « تاريخ دمشق » (65/250) وأبو مسلم هذا جهله ابن معين كما ذكر .
قال البخاري : والحديث معلول ، كما في « البداية والنهاية » (11/649) .
قال البيهقي في « الدلائل » (6/467) : « هذا الإسناد إرسال بين أبي العالية وأبي ذر » .
وذكر ابن كثير في « البداية والنهاية » (11/649) أنه من الأحاديث الضعيف والمنقطعة في ذم يزيد بن معاوية (2) .
وذلك لأنه من رواية أبي العالية عن أبي ذر ولم يسمع منه والواسط بينهما أبو مسلم مجهولًا لا يعرف .
على فرض صحة الحديث فهو في حق يزيد بن معاوية فقد روى الروياني في مسنده كما في « سير أعلام النبلاء » (1/329) من طريق مهاجر أبي مخلد عن أبي العالية عن أبي ذر رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم : « أول من يبدل سنتي رجل من بني أمية يقال له يزيد » وهو نفس الطريق الذي صححه من صحح الحديث !.
لذا قال ابن عدي في « الكامل » (3/164) : « وفي بعض الأخبار مفسراً زاد يقال له يزيد »
وقال البيهقي في دلائل النبوة (6/467) : ويشبه أن يكون هذا الرجل هو يزيد بن معاوية بن أبي سفيان .

وإن كنت لا بد محتجاً بهذا المعلول

فاحتج بما روى الدارمي في مسنده  2101 - أخبرنا مروان بن محمد ثنا يحيى بن حمزة حدثني بن وهب عن مكحول عن أبي ثعلبة الخشني عن أبي عبيدة بن الجراح قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أول دينكم نبوة ورحمة ثم ملك ورحمة ثم ملك أعفر ثم ملك وجبروت يستحل فيها الخمر والحرير قال أبو محمد سئل عن أعفر فقال يشبهه بالتراب وليس فيه خير

وما فيه علة إلا انقطاع يسير دون نكارة متنية ويعضده خبر مسلم الماضي ويعضده مدح النبي صلى الله عليه وسلم لصلح الحسن

وادعى أن من النفس الأموي تخطئة الحسين رضي الله عنه في خروجه للكوفة

والواقع أن الناس لا يختلفون أنه قتل شهيداً وأن كل ما في الأمر أنه عرض عليه قوم يمنعونه أن يبايعوه ليقيم العدل وكانوا خارجين عن سلطة الخليفة الآخر فكان فعله سيكون من وجه كفعل الزبير وطلحة ومعاوية حين انعزلوا عن علي غير أن الحسين كان خصمه لا يقارن به ثم لما خذله ،العراقيون عرض أن يبايع يزيد كما اعترف الكاتب نفسه بهذا أو يذهب إلى ثغر من الثغور

وقد أراد العراقيون فيما زعموا للحسين ابتداءً أن يعود الأمر كما كان قبل الصلح فريق في العراق وفريق في الشام ولو بايعوه لتتابعت البيعات لما علم من فضله ولما أبى عليه الشاميون الصلح استبسل حتى استشهد ولا يستغرب هذا من أفراد قومه فكيف به وهو الرأس ابن الرأس

والناس على عدة مواقف من هذا

الموقف الشيعي المتعصب الذي ادعى أن الحسين ما أراد صلحاً قط وأنه أصاب بفعله من كل وجه

وهناك موقف النواصب أو دخلته شبهتهم ممن يرون أنه قتل بحق أو بتأويل شرعي وأهل السنة برآء من هذا الكلام


قال شيخ الإسلام كما في المسائل والأجوبة ص77 :" يقول: إنه قُتِلَ بحق؛ ويحتِجّ بقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «من جاءكم وأمرُكم على رجلٍ واحدٍ يُرِيد أن يُفرِّق بين جماعتكم فاضربوا عُنُقَه بالسيف كائنًا من كان» رواه مسلم، فزعم هؤلاء أن الحسين أتى الأمةَ وهم مجتمعون فأراد أن يُفرِّق الأمة؛ فوجبَ قتلُه، وهذا بخلاف من يتخلَّف عن بيعة الإمام ولم يَخرُج عليه، فإنه لا يجب قتلُه، كما لم يقتُل الصحابة سعد بن عُبادة مع تخلُّفِه عن بيعةِ أبي بكر وعمر، وهذا كذِبٌ وجهلٌ؛ فإن الحسين - رضي الله عنه - لم يُقتَل حتى أقامَ الحجة على من قتلَه، وطلبَ أن يذهبَ إلى يزيدَ، أو يرجعَ إلى المدينة، أو يذهبَ إلى الثَّغْر، وهذا لو طلبَه آحادُ الناس لوجبَ إجابتُه، فكيف لا يجب إجابةُ الحسين - رضي الله عنه - إلى ذلك، وهو يطلب الكفَّ والإمساك. وأما أصل مجيئه فإنما كان لأن قومًا من أهل العراق من الشيعة كتبوا إليه كتبًا كثيرةً يشتكون فيها من تغيُّرِ الشريعة وظهور الظلم، وطلبوا منه أن يقدمَ ليبايعوه ويعاونوه على إقامة الشرع والعدل، وأشار عليه أهلُ الدين والعلم - كابن عباس وابن عُمَر وأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام - بأن لا يذهب إليهم، وذكروا له أن هؤلاء يَغُرونَه، وأنهم لا يُوفُون بقولهم، ولا يَقدِر على مطلوبه، وأن أباه كان أعظمَ حرمةً منه وأتباعًا؛ ولم يتمكَّن من مرادِه، فظنَّ الحسين أنه يَبلُغ مرادَه، فأرسلَ ابنَ عمّه مسلم بن عَقِيل، فآوَوه أوّلاً، ثمَّ قتلوه ثانيًا، فلما بلغَ الحسينَ ذلك طلبَ الرجوعَ، فأدركَتْه السريَّةُ الظالمةُ، فلم تُمكِّنْه من طاعة الله ورسوله، لا من ذهابه إلى يزيد، ولا من رجوعِه إلى بلدِه، ولا إلى الثَّغْر، وكان يزيدُ - لو يجتمعُ بالحسين - من أحرصِ الناس على إكرامِه وتعظيمه ورعايةِ حقِّه، ولم يكن في المسلمين عنده أَجَلَّ من الحسين، فلما قتله أولئك الظَّلَمة حَملُوا رأسَه إلى قدّام عُبَيْدِ الله بن زياد، فنكَتَ بالقضيب على ثناياه، وكان في المجلس أنس بن مالك فقال: «إنك تنكتُ بالقضيب حيثُ كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقبِّلُ» . هكذا ثبتَ في الصحيح، وفي «المسند» «أن أبا بَرْزَةَ الأسلمي كان أيضًا شاهدًا» فهذا كان بالعراق عند ابن زياد.
وأما حملُ الرأس إلى الشام أو غيرها والطوافُ به فهو كَذِبٌ، والروايات التي تُروَى أنه حُمِلَ إلى قُدَّام يزيدَ ونكتَ بالقضيب، روايات ضعيفةٌ لا يَثبتُ شيء منها، بل الثابتُ أنه لما حُمِلَ علي بن الحسين وأهلُ بيته إلى يزيد وقعَ البكاءُ في بيتِ يزيد - لأجل القرابة التي كانت بينهم - لأجل المصيبة، ورُوِي أن يزيد قال: لعنَ الله ابنَ مَرجانة - يعني: ابنَ زياد - لو كان بينه وبين الحسين قرابةٌ لما قتلَه"

وأهل العراق لو تخلفوا لما كان هناك جماعة اجتمعت على يزيد فذكر من ذكر ذلك الخبر كلام لا معنى له

والموقف الثالث : وهو القول بأن الحسين ما كان ينبغي له أن يخرج للعراق لأنهم ليسوا بأهل للثقة

وهذا مذهب ابن عباس وابن عمر وغيرهم وليس قولاً أموياً !

قال ابن أبي شيبة في المصنف [  38519] :
 حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ ، عَنِ ابْنِ طَاوُوس ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ :
 جَاءَنِي حُسَيْنٌ يَسْتَشِيرُنِي فِي الْخُرُوجِ إِلَى مَا هَاهُنَا يَعْنِي الْعِرَاقَ .
 فَقُلْتُ : لَوْلاَ أَنْ يُزْرُوا بِي وَبِكَ لَشَبَّثْتُ يَدِي فِي شَعْرِكَ ، إِلَى أَيْنَ تَخْرُجُ ؟ إِلَى قَوْمٍ قَتَلُوا أَبَاك وَطَعَنُوا أَخَاك ، فَكَانَ الَّذِي سَخَا بِنَفْسِي عَنْهُ أَنْ قَالَ لِي :
 إِنَّ هَذَا الْحَرَمَ يُسْتَحَلُّ بِرَجُلٍ ، وَلأَنْ أُقْتَلَ فِي أَرْضِ كَذَا وَكَذَا غَيْرَ أَنَّهُ يُبَاعِدُهُ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ.

قال ابن أبي شيبة في المصنف 38515- حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ شَرِيكٍ ، عَنْ بِشْرِ بْنِ غَالِبٍ ، قَالَ : لَقِيَ عَبْدُ اللهِ بْنُ الزُّبَيْرِ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ بِمَكَّةَ ، فَقَالَ : يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ ، بَلَغَنِي أَنَّك تُرِيدُ الْعِرَاقَ ، قَالَ : أَجَلْ ، قَالَ : فَلاَ تَفْعَلْ فَإِنَّهُمْ قَتَلَةُ أَبِيك ، الطَّاعِنُونَ فِي بَطْنِ أَخِيك ، وَإِنْ أَتَيْتَهُمْ قَتَلُوك.

قال الخطابي في العزلة أَخْبَرَنَا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزِّبْرِقَانِ قَالَ: حَدَّثَنَا شَبَابَةُ بْنُ سَوَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ سَالِمٍ الْأَسَدِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ الشَّعْبِيَّ، يُحَدِّثُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ كَانَ بِمَالِهِ فَبَلَغَهُ أَنَّ [ص:16] الْحُسَيْنَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَدْ تَوَجَّهَ إِلَى الْعِرَاقِ فَلَحِقَهُ عَلَى مَسِيرَةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَإِذَا مَعَهُ طَوَامِيرُ وَكُتُبٌ فَقَالَ: هَذِهِ كُتُبُهُمْ وَبَيْعَتُهُمْ فَقَالَ: لَا تَأْتِهِمُ، فَأَبَى، فَقَالَ: " إِنِّي مُحَدِّثُكَ حَدِيثًا إِنَّ جَبْرَائِيلَ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَيَّرَهُ بَيْنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَاخْتَارَ الْآخِرَةَ وَلَمْ يُرِدِ الدُّنْيَا وَإِنَّكُمْ بِضْعَةٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاللَّهِ لَا يَلِيهَا أَحَدٌ مِنْكُمْ أَبَدًا وَمَا صَرَفَهَا عَنْكُمْ إِلَّا لِلَّذِي هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ. فَأَبَى أَنْ يَرْجِعَ. قَالَ: فَاعْتَنَقَهُ ابْنُ عُمَرَ وَبَكَى وَقَالَ: أَسْتَوْدِعُكَ اللَّهَ مِنْ قَتِيلٍ "

وهو في مصادر أعلى

وهذا الذي عابه عمرو مع القول بأنه قتل مظلوماً شهيداً وأنه أقام الحجة على قاتليه

وعامة الغاضبين من تخطئة الحسين في ثقته بأهل العراق مصرحون أو ملمحون بتخطئة أخيه الحسن في الصلح وتسليم الأمر إلى معاوية فهم واقعون بما أنكروا على غيرهم 

والعجيب أنه يعتبر الاعتذار لمعاوية ومن معه نفساً أموياً مع أننا نعتذر لطلحة والزبير بمثله وما عساه يقول في الذين اعتزلوا القتال بالكلية وما صوبوا أحداً من الفريقين فكيف بمن يصوب علياً


قال أبو داود في سننه 4666 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مَرْزُوقٍ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنِ الأَشْعَثِ بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ أَبِى بُرْدَةَ عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ ضُبَيْعَةَ قَالَ دَخَلْنَا عَلَى حُذَيْفَةَ فَقَالَ إِنِّى لأَعْرِفُ رَجُلاً لاَ تَضُرُّهُ الْفِتَنُ شَيْئًا. قَالَ فَخَرَجْنَا فَإِذَا فُسْطَاطٌ مَضْرُوبٌ فَدَخَلْنَا فَإِذَا فِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ فَسَأَلْنَاهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ مَا أُرِيدُ أَنْ يَشْتَمِلَ عَلَىَّ شَىْءٌ مِنْ أَمْصَارِكُمْ حَتَّى تَنْجَلِىَ عَمَّا انْجَلَتْ.
وهذا الرجل كان قد اعتزل القتال فلو كان الحق واضحاً لكل أحد في النزاع لما مدح القاعد عنه فلسنا ننظر لحديث ( تقتلك الفئة الباغية ) ونترك هذا الحديث
وقال ابن أبي شيبة في المصنف 39035- حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ أَيُّوبَ الْمَوْصِلِيُّ ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بُرْقَانَ ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ الأَصَمِّ ، قَالَ : سُئِلَ عَلِيٌّ عَنْ قَتْلَى يَوْمِ صِفِّينَ ، فَقَالَ : قَتْلاَنَا وَقَتْلاَهُمْ فِي الْجَنَّةِ ، وَيَصِيرُ الأَمْرُ إلَيَّ وَإِلَى مُعَاوِيَةَ.

قال مسلم في صحيحه2423- [150-...] حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ ، حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ ، وَهُوَ ابْنُ الْفَضْلِ الْحُدَّانِيُّ ، حَدَّثَنَا أَبُو نَضْرَةَ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : تَمْرُقُ مَارِقَةٌ عِنْدَ فُرْقَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ، يَقْتُلُهَا أَوْلَى الطَّائِفَتَيْنِ بِالْحَقِّ.

ففرق النبي بين معاوية ومن معه والخوارج وجعلهم كلهم مسلمين   

 وقد قال بأن ابن العربي أول من تولى الدفاع المطلق عن كل سياسات عثمان ( فهو يعرض بعثمان أيضاً ) وما اللوم على مسلم يدافع عن سياسات عثمان وقد صح عنده مدح الخلافة بأنها ثلاثون عاماً والأمر بالتمسك بسنة الخلفاء الراشدين ومن التناقض الذي يمارسه صاحبك الموتور الاستدلال بحديث ( الخلافة بعدي ثلاثون عاماً ) على الطعن في بني أمية ثم هو نفسه ينسى أن عثمان داخل في حديث الخلافة فيعرض بالطعن فيه

ولو قلت له هل تصوب كل سياسات علي في الحروب والدماء فقال نعم فنقول فما على خصمك أن يصوب كل سياسات عثمان فيما هو دون ذلك 

وبعد هذا الاستعراض عليك أن تعلم أن العبيديين حكموا مصر وغيرها من الديار أكثر من ثلاثمائة عامة ولا زالت آثارهم من الموالد والغلو في الأضرحة موجودة فمناقشة مثل هذا أولى

واعلم أن بني أمية وبني هاشم يعدون أبناء عم وأبو العاص بن الربيع وعثمان من بني أمية

ولهذا يذكر في السيرة أن هند بنت عتبة تخاطب زينب ابنة النبي بقولها يا ابنة عم

وكذا قال ذاك الرجل مبكتاً أبا سفيان لما فعل بحمزة فقال ما معناه شيخ قريش يفعل هذا بابن عمه لحماً

وليعلم أن العباسيين وهم أقرب ما يكون للعلويين لما بلغوا الحكم وقع بينهم وبين العلويين ما وقع وقتل المنصور النفس الزكية وحتى المعتضد مع انحرافه عن معاوية لم يظهر سبه لكي لا يقوى أمر العلويين

ولو كنا سنأخذ كل ما في الكتب فأيضاً الكتب ملأى باعتذار يزيد لعلي بن الحسين من قتل أبيه وسبه لعبيد الله بن زياد وأيضاً في روايات لوط بن يحيى أن نساء معاوية ونساء يزيد أقمن النياحة على الحسين لما جئن بنات الحسين لهن ، وأن ابنة الحسين قالت ما رأيت كافراً خيراً من يزيد لما كان من إكرامه لهم على أن أمر يزيد معروف وعليه المآخذ المعهودة وقول أحمد فيه معلوم

ووجود المبالغين في الدفاع عنه معروف على رأسهم الغزالي الأشعري المعروف وابن العربي الأشعري المعروف

وأخيراً أقول : اللهم يا حي يا قوم يا ذا الجلال والإكرام يا الله إن القوم تقربوا إلى أعدائك بثلب أوليائك أصحاب نبيك أهل الفتوحات والرواية اللهم إن كنت أذنت لهم بالهداية فعجل ذلك وإن كان لا فلا تقبضنا ولا تقبضهم حتى لا تترك لهم ستراً حسياً ولا معنوياً إلا هتكته كما أرادوا نيلاً وتأليباً للدهماء على أصحاب نبيك



هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

. .

جميع الحقوق محفوظة للكاتب | تركيب وتطوير عبد الله بن سليمان التميمي